فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (11- 15):

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطغواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أشقاها (12) فَقَالَ لَهُمْ رسول اللّه نَاقَةَ اللَّهِ وسقياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فسواها (14) وَلَا يَخَافُ عقباها (15)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السياق للترهيب بما دلت عليه سورة البلد وتقديم الفجور هنا، وكان الترهيب أحث على الزكاء، قال دالاًّ على خيبة المدسي ليعتبر به من سمع خبره لاسيما إن كان يعرف أثره: {كذبت ثمود} أنث فعلهم لضعف أثر تكذيبهم لأن كل سامع له يعرف ظلمهم فيه لوضوح آيتهم وقبيح غايتهم، وما لهم بسفول الهمم وقباحة الشيم، وخصهم لأن آيتهم مع أنها كانت أوضح الآيات في نفسها هي أدلها على الساعة، وقريش وسائر العرب عارفون بهم لما يرون من آثارهم، ويتناقلون من أخبارهم {بطغواها} أي أوقعت التكذيب لرسولها بكل ما أتى به عن الله تعالى بسبب ما كان لنفوسهم من وصف الطغيان، وهو مجاوزة القدر وارتفاعه والغلو في الكفر والإسراف في المعاصي والظلم، أو بما توعدوا به من العذاب العاجل وهي الطاغية التي أهلكوا بها، وطغى- واوي يائي يقال: طغى كدعا يطغو طغوى وطغواناً- بضمها كطغى يطغى، وطغي كرضي طغياً وطغياناً- بالكسر والضم، فالطغوى- بالفتح اسم، وبالضم مصدر، فقلبت الياء- على تقدير كونه يائياً- واواً للتفرقة بين الاسم والصفة، واختير التعبير به دون اليائي لقوة الواو، فأفهم أنهم بلغوا النهاية في تكذيبهم، فكانوا على الغاية من سوء تعذيبهم.
ولما ذكر تكذيبهم، دل عليه بقوله: {إذ} أي تحقق تكذيبهم أو طغيانهم بالفعل حين {انبعث أشقاها} أي أشد ثمود شقاء وهو عاقر الناقة للمشاركة في الكفر والزيادة بمباشرة العقر، وهو قدار بن سالف، أو هو ومن مالاه على عقرها، فإن أفعل التفضيل إذا أضيف صلح للواحد والجمع {فقال لهم} أي بسبب الانبعاث أو التكذيب الذي دل على قصدهم لها بالأذى، وأظهر ولم يضمر وعين الإظهار بالجلالة إشارة إلى عظيم آيتهم وبديع بدايتهم ونهايتهم فقال: {رسول الله} أي الملك الذي له الأمر كله، فتعظميه من تعظيم مرسله وهو صالح عليه الصلاة والسلام وكذا الناقة، وعبر بالرسول لأن وظيفته الإبلاغ والتحذير الذي ذكر هنا، ولذا قال مشيراً بحذف العامل إلى ضيق الحال عن ذكره لعظيم الهول وسرعة التعذيب عند مسها بالأذى، وزاد في التعظيم بإعادة الجلالة: {ناقة الله} أي الملك الأعظم الذي له الجبروت كله فلا يقر من انتهك حرمته واجترأ على ما أضافه إليه، ولهذا أعاد الإظهار دون الإضمار، والعامل: دعوا أو احذروا- أو نحو ذلك أي احذروا أذاها بكل اعتبار {وسقياها} أي الماء الذي جعله الله تعالى لها لسقيها وهو بئرها، فلا تذودوها عن بئرها في اليوم الذي تكون فيه نوبتها في الشرب ولا تمسوها بسوء، وكأنه- صلى الله عليه وسلم فهم عنهم بعد مدة أنهم يريدون عقرها فكرر عليهم التحذير {فكذبوه} أي أوقعوا تكذيبه بسبب طغيانهم وعقب أمره هذا الأخير فيما حذر من حلول العذاب، أو تكون الفاء هي الفصيحة أي قال لهم ذلك فكانت بعده بينه وبينهم في أمرها أمور، فأوقعوا تكذيبه فيها كلها {فعقروها} أي بسبب ذلك التكذيب بعضهم بالفعل وبعضهم بالرضا به {فدمدم} أي عذب عذاباً تاماً مجلّلاً مغطياً مطبقاً مستأصلاً شدخ به رؤوسهم وأسرع في الإجهاز وطحنهم طحناً مع الغضب الشديد؛ قال الرازي: والدمدمة: تحريك البناء حتى ينقلب، ودل بأداة الاستعلاء على شدته وإحاطته فقال: {عليهم}
ودل على شدة العذاب لشدة الغضب بلفت القول بذكر صفة الإحسان التي كفروها لأنه لا أشد غضباً ممن كفر إحسانه فقال: {ربهم} أي الذي أحسن إليهم فغرَّهم إحسانه فقطعه عنهم فعادوا كأمس الدابر {بذنبهم} أي بسببه.
ولما استووا في الظلم والكفر بسبب عقر الناقة بعضهم بالفعل وبعضهم بالرضا والحث، قال مسبباً عن ذلك ومعقباً: {فسواها} أي الدمدمة عليهم فجعلها كأنها أرض بولغ في تعديلها فلم يكن فيها شيء خارج عن شيء كما سوى الشمس المقسم بها وسوى بين الناس فيها، وكذا ما أقسم به بعدها، فكانت الدمدمة على قويهم كما كانت على ضعيفهم، فلم تدع منهم أحداً ولم يتقدم هلاك أحد منهم على أحد، بل كانوا كلهم كنفس واحدة من قوة الصعقة وشدة الرجفة كما أنهم استووا في الكفر والرضا بعقر الناقة وكل نفس هي عند صاحبها كالناقة قد أوصى الله صاحبها أن يرعى نعمته سبحانه فيها فيزكيها ولا يدسيها، فإن الناقة عبارة عن مطية يقطع عليها السير حساً أو معنى، وذلك صالح لأن يراد به النفس التي تقطع بها عقبات الأعمال، والسقيا ما يعيش المسقيّ به، وهو صالح لأن يراد به الذكر والعبادة، فمن لم يرع النعمة ويشكر المنعم فقد عقرها، فاستحق الدمدمة منه، وكما أنه سوى بينهم في الدمدمة سوى بين المهتدين في النجاة {ولا} أي والحال أنه لا {يخاف} في وقت من الأوقات أي ربهم، روي ذلك عن ابن عباس- رضى الله عنهما- ويؤيده قراءة أهل المدينة والشام بالفاء المسببة عن الدمدمة والتسوية وكذلك هي في مصاحفهم {عقباها} أي عاقبة هذه الدمدمة وتبعتها فإنه الملك الأعلى الذي كل شيء في قبضته لا كما يخاف كل معاقب من الملوك فيبقى بعض الإبقاء فعلم أنه سبحانه وتعالى يعلي أولياءه لأنهم على الحق، ويسفل أعداءه لأنهم على الباطل، فلا يضل بعد ذلك إلا هالك، بصيرته أشد ظلاماً من الليل الحالك، وقد رجع آخرها على أولها بالقسم وجوابه المحذوف الذي هو طبع النفوس على طبائع مختلفة والتقدم إليهم بالإنذار من الهلاك، ونفس القسم أيضاً فإن من له هذه الأفعال الهائلة التي سوى بين خلقه فيها وهذا التدبير المحكم هو بحيث لا يعجزه أمر ولا يخشى عاقبة- والله الموفق للصواب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطغواها (11)}
قال الفراء: الطغيان والطغوى مصدران إلا أن الطغوى أشبه برؤوس الآيات فاختير لذلك وهو كالدعوى من الدعاء وفي التفسير وجهان:
أحدهما: أنها فعلت التكذيب بطغيانها، كما تقول: ظلمني بجراءته على الله تعالى، والمعنى أن طغيانهم حملهم على التكذيب به هذا هو القول المشهور.
والثاني: أن الطغوى اسم لعذابهم الذي أهلكوا به، والمعنى كذبت بعذابها أي لم يصدقوا رسولهم فيما أنذرهم به من العذاب، وهذا لا يبعد لأن معنى الطغيان في اللغة مجاوزة القدر المعتاد فيجوز أن يسمى العذاب الذي جاءهم طغوى لأنه كان صيحة مجاوزة للقدر المعتاد أو يكون التقدير كذبت بما أوعدت به من العذاب ذي الطغوى ويدل على هذا التأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة} [الحاقة: 4] أي بالعذاب الذي حل بها، ثم قال: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} [الحاقة: 5] فسمى ما أهلكوا به من العذاب طاغية.
{إِذِ انْبَعَثَ أشقاها (12)}
انبعث مطاوع بعث يقال: بعثت فلاناً على الأمر فانبعث له، والمعنى أنه كذبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاها وهو عاقر الناقة وفيه قولان:
أحدهما: أنه شخص معين واسمه قدار بن سالف ويضرب به المثل يقال: أشأم من قدار، وهو أشقى الأولين بفتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: يجوز أن يكونوا جماعة، وإنما جاء على لفظ الوحدان لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث تقول: هذان أفضل الناس وهؤلاء أفضلهم، وهذا يتأكد بقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس: 14] وكان يجوز أن يقال أشقوها كما يقال أفاضلهم.
أما قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رسول اللّه نَاقَةَ اللَّهِ وسقياها (13)} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
المراد من الرسول صالح عليه السلام {نَاقَةُ الله} أي أنه أشار إليه لما هموا بعقرها وبلغه ما عزموا عليه، وقال لهم هي: {نَاقَةُ الله} وآيته الدالة على توحيده وعلى نبوتي، فاحذروا أن تقوموا عليها بسوء، واحذروا أيضاً أن تمنعوها من سقياها، وقد بينا في مواضع من هذا الكتاب أنه كان لها شرب يوم ولهم ولمواشيهم شرب يوم، وكانوا يستضرون بذلك في أمر مواشيهم، فهموا بعقرها، وكان صالح عليه السلام يحذرهم حالاً بعد حال من عذاب ينزل بهم إن أقدموا على ذلك، وكانت هذه الحالة متصورة في نفوسهم، فاقتصر على أن قال لهم: {نَاقَةَ الله وسقياها} لأن هذه الإشارة كافية مع الأمور المتقدمة التي ذكرناها.
المسألة الثانية:
{نَاقَةُ الله} نصب على التحذير، كقولك الأسد الأسد، والصبي الصبي بإضمار ذروا عقرها واحذروا سقياها، فلا تمنعوها عنها، ولا تستأثروا بها عليها.
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فسواها (14)}
ثم بين تعالى أن القوم لم يمتنعوا عن تكذيب صالح، وعن عقر الناقة بسبب العذاب الذي أنذرهم الله تعالى به وهو المراد بقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} ثم يجوز أن يكون المباشر للعقر واحدًا وهو قدار، فيضاف الفعل إليه بالمباشرة، كما قال: فتعاطى فعقر ويضاف الفعل إلى الجماعة لرضاهم بما فعل ذلك الواحد.
قال قتادة: ذكر لنا أنه أبى أن يعقرها حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم، وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الفراء: قيل إنهما كانا إثنين.
أما قوله تعالى: {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فسواها} فاعلم أن في الدمدمة وجوهاً:
أحدها: قال الزجاج: معنى دمدم أطبق عليهم العذاب، يقال: دمدمت على الشيء إذا أطبقت عليه، ويقال: ناقة مدمومة، أي قد ألبسها الشحم، فإذا كررت الإطباق قلت دمدمت عليه.
قال الواحدي: الدم في اللغة اللطخ، ويقال للشيء السمين: كأنما دم بالشحم دماً، فجعل الزجاج دمدم من هذا الحرف على التضعيف نحو كبكبوا وبابه، فعلى هذا معنى دمدم عليهم، أطبق عليهم العذاب وعمهم كالشيء الذي يلطخ به من جميع الجوانب.
الوجه الثاني: تقول للشيء: يدفن دمدمت عليه، أي سويت عليه، فيجوز أن يكون معنى فدمدم عليهم، فسوى عليهم الأرض بأن أهلكهم فجعلهم تحت التراب.
الوجه الثالث: قال ابن الأنباري: دمدم غضب، والدمدمة الكلام الذي يزعج الرجل ورابعها: دمدم عليهم أرجف الأرض بهم رواه ثعلب عن ابن الأعرابي، وهو قول الفراء، أما قوله: {فسواها} يحتمل وجهين، وذلك لأنا إن فسرنا الدمدمة بالإطباق والعموم، كان معنى {فسوى} الدمدمة عليهم وعمهم بها، وذلك أن هلاكهم كان بصيحة جبريل عليه السلام، وتلك الصيحة أهلكتهم جميعاً، فاستوت على صغيرهم وكبيرهم، وإن فسرناها بالتسوية، كان المراد فسوى عليهم الأرض.
أما قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عقباها (15)}
ففيه وجوه:
أولها: أنه كناية عن الرب تعالى إذ هو أقرب المذكورات، ثم اختلفوا فقال بعضهم: لا يخاف تبعة في العاقبة إذ العقبى والعاقبة سواء، كأنه بين أنه تعالى يفعل ذلك بحق. وكل ما فعل ما يكون حكمة وحقاً فإنه لا يخاف عاقبة فعله.
وقال بعضهم: ذكر ذلك لا على وجه التحقيق لكن على وجه التحقير لهذا الفعل، أي هو أهون من أن تخشى فيه عاقبة، والله تعالى يجل أن يوصف بذلك، ومنهم من قال: المراد منه التنبيه على أنه بالغ في التعذيب، فإن كل ملك يخشى عاقبة، فإنه يتقي بعض الاتقاء، والله تعالى لما لم يخف شيئاً من العواقب، لا جرم ما اتقى شيئاً.
وثانيها: أنه كناية عن صالح الذي هو الرسول أي ولا يخاف صالح عقبى هذا العذاب الذي ينزل بهم وذلك كالوعد لنصرته ودفع المكاره عنه لو حاول محاول أن يؤذيه لأجل ذلك.
وثالثها: المراد أن ذلك الأشقى الذي هو أحيمر ثمود فيما أقدم من عقر الناقة {وَلاَ يَخَافُ عقباها} وهذه الآية وإن كانت متأخرة لكنها على هذا التفسير في حكم المتقدم، كأنه قال: إذ انبعث أشقاها، ولا يخاف عقباها والمراد بذلك أنه أقدم على عقرها وهو كالآمن من نزول الهلاك به وبقومه ففعل مع هذا الخوف الشديد فعل من لايخاف ألبتة، فنسب في ذلك إلى الجهل والحمق، وفي قراءة النبي عليه السلام: {ولم يخف} وفي مصاحف أهل المدينة والشام {فَلاَ يَخَافُ} والله أعلم.
روي أن صالحاً لما وعدهم العذاب بعد ثلاث، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلموا فلنقتل صالحاً، فإن كان صادقاً فأعجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته. فأتوه ليبيتوه فدمغتهم الملائكة بالحجار، فلما أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح، فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح: أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه لبسوا السلاح وقالوا لهم: والله لا تقتلونه قد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقاً زدتم ربكم عليكم غضباً، وإن كان كاذباً فأنتم من وراء ما تريدون، فانصرفوا عنه تلك الليلة فأصبحوا وجوههم مصفرة فأيقنوا بالعذاب فطلبوا صالحاً ليقتلوه فهرب صالح والتجأ إلى سيد بعض بطون ثمود وكان مشركاً فغيبه عنهم فلم يقدروا عليه ثم شغلهم عنه ما نزل بهم من العذاب، فهذا هو قوله: {وَلاَ يَخَافُ عقباها} والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطغواها}
أي بطغيانها، وهو خروجها عن الحدّ في العصيان؛ قاله مجاهد وقتادة وغيرهما.
وعن ابن عباس {بطغواها} أي بعذابها الذي وُعِدَتْ به.
قال: وكان اسم العذاب الذي جاءها الطَّغْوى؛ لأنه طَغَى عليهم.
وقال محمد بن كعب: {بطغواها} بأجمعها.
وقيل: هو مصدر، وخرج على هذا المخرج، لأنه أَشْكَلُ برؤوس الآي.
وقيل: الأصل بطَغْياها، إلا أن (فَعْلَى) إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واواً، لِيُفصَل بين الاسم والوصف.
وقراءة العامة بفتح الطاء.
وقرأ الحسن والجَحْدرِي وحماد بن سلمة (بضم الطاء) على أنه مصدر؛ كالرُّجْعَى والحُسْنى وشبههما في المصادر.
وقيل: هما لغتان.
{إِذِ انبعث} أي نهض.
{أشقاها} لعَقْر الناقة.
واسمه قُدَار بن سالِف.
وقد مضى في (الأعراف) بيان هذا، وهل كان واحدًا أو جماعة.
وفي البخارِيّ عن عبد الله بن زَمَعة: أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطُب، وذكر الناقة والذي عَقَرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{إذا انبعَثَ أشقاها}، انبعث لها رجل عزيز عارِم، منيع في رهطه، مثل أبي زَمَعة» وذكر الحديث. خرّجه مسلم أيضاً.
وروى الضحاك عن علي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: «أتدري من أشقى الأولين» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «عاقر الناقة قال أتدري من أشقى الآخرين» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «قاتلك».
{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله} يعني صالحا.
{نَاقَةَ الله} {ناقةَ} منصوب على التحذير؛ كقولك: الأسد الأسد، والصبِيَّ الصبِيَّ، والحِذار الحِذارَ. أي احذروا ناقة الله؛ أي عَقْرها.
وقيل: ذروا ناقة الله، كما قال: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73].
{وسقياها} أي ذروها وشِربَها.
وقد مضى في سورة (الشعراء) بيانه والحمد لله.
وأيضاً في سورة {اقتربت الساعة} [القمر: 1].
فإنهم لما اقترحوا الناقة، وأخرجها لهم من الصخرة، جعل لهم شِربَ يوم من بئرهم، ولها شِربُ يوم مكان ذلك، فشقَّ ذلك عليهم.
{فَكَذَّبُوهُ} أي كذبوا صالحاً عليه السلام في قوله لهم: إنكُمْ تُعَذَّبونَ إنْ عَقرْتُموها.
{فَعَقَرُوهَا} أي عقرها الأشقى.
وأضيف إلى الكل، لأنهم رَضُوا بفعله.
وقال قتادة: ذُكر لنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم.
وقال الفرّاء: عقرها اثنان: والعرب تقول: هذان أفضلُ الناس، وهذان خير الناس، وهذه المرأة أشقى القوم؛ فلهذا لم يقل: أَشْقيَاها.
قوله تعالى: {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} أي أهلكهم وأطبق عليهم العذابُ بذنبهم الذي هو الكفر والتكذيب والعَقْر.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: دَمْدم عليهم قال: دَمَّرَ عَلَيْهم ربُّهم بذنبهم؛ أي بجُرمهم.
وقال الفرّاء: دَمْدم أي أرجف.
وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده.
ويقال: دَمَّمْت على الشيء: أي أطبقت عليه، ودمم عليه القبرَ: أطبقه.
وناقة مدمومة: أَلْبَسها الشحم.
فإذا كرّرت الإطباق قلت: دَمْدَمْت.
والدمدمة: إهلاك باستئصال؛ قاله المؤرِّج.
وفي الصحاح: ودَمْدَمْت الشيء: إذا ألزقته بالأرض وطَحْطَحْتُه.
ودمدم الله عليهم: أي أهلكهم.
القُشَيرِي: وقيل دَمْدَمت على الميت الترابَ: أي سَوَّيتُ عليه.
فقوله: {فدمدم عليهم} أي أهلكهم، فجعلهم تحت التراب.
{فسواها} أي سَوّى عليهم الأرض.
وعلى الأول {فسواها} أي فسوّى الدَّمدمة والإهلاك عليهم.
وذلك أن الصيحة أهلكتهم، فأتت على صغيرهم وكبيرهم.
وقال ابن الأنباريّ: دمدمَ أي غضِب.
والدمدمة: الكلام الذي يزعج الرجل.
وقال بعض اللغويين: الدمدمة: الإدامة؛ تقول العرب: ناقة مدمدَمة أي سمينة.
وقيل: {فسواها} أي فسوّى الأمة في إنزال العذاب بهم، صغيرهم وكبيرهم، وضِيعهم وشريفهم، ذكرهم وأنثاهم.
وقرأ ابن الزُّبير {فَدهْدَم} وهما، لغتان؛ كما يقال؛ امتُقِع لونُه وانْتُقِع.
{وَلَا يَخَافُ عقباها (15)}
أي فعل الله ذلك بهم غير خائف أن تلحقه تَبِعة الدَّمدمة من أحد؛ قاله ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد.
والهاء في {عقباها} ترجع إلى الفَعْلة؛ كقوله: «من اغتسل يوم الجمعة فبِها ونِعمتْ» أي بالفعلة والخصلة.
قال السديّ والضحاك والكلبيّ: ترجع إلى العاقر؛ أي لم يخف الذي عقرها عُقْبى ما صنع.
وقاله ابن عباس أيضاً.
وفي الكلام تقديم وتأخير، مجازه: إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها.
وقيل: لا يخاف رسول الله صالح عاقبة إهلاك قومه، ولا يخشى ضرراً يعود عليه من عذابهم؛ لأنه قد أنذرهم، ونجاه الله تعالى حين أهلكهم.
وقرأ نافع وابن عامر {فلا} بالفاء، وهو الأجود؛ لأنه يرجع إلى المعنى الأول؛ أي فلا يخاف الله عاقبة إهلاكهم.
والباقون بالواو، وهي أشبه بالمعنى الثاني؛ أي ولا يخاف الكافر عاقبة ما صنع.
ورَوَى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالا: أخرج إلينا مالك مصحفاً لجدّه، وزعم أنه كتبه في أيام عُثمان بن عفان حين كتب المصاحف، وفيه: {ولا يخاف} بالواو.
وكذا هي في مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو، واختاره أبو عُبيد وأبو حاتم، اتباعاً لمصحفهم. اهـ.